في سَعيِنا للنهوض، والذّي هو أولوية منذ مدّة، نجد أنفسنا أمام تحدّيين اثنين على الأقل.
الأول داخليّ، والثاني خارجيّ؛ والاثنان مُهمّان بنفس القدر.
داخلياً، عندنا إشكالات وعقبات ونقاط ضعف ومُعضلات، والعديد منها مُرحَّل من سنة إلى أخرى ومن عقد إلى عقد، لا بد من مواجهتها مواجهة حاسمة وحلّها، حتى نزيد من مخزوننا الإيجابي وندفع بعجلة التقدم إلى الأمام.
والمطلوب التعامل معه على هذا البُعد بفاعلية كثيرة وكثيرة جداً.
فهنالك شحّ في كفاءة الأداء، على المستويين الفردي والجمعي؛ وهنالك ترهّل مؤسسي أصبح السّمة السائدة؛ وهنالك أزمة أخلاق وقِيَم وانتماء سببها الرئيس أنانية عدد متزايد من الأفراد وتغليبهم الصالح الخاص على العام؛ وهنالك أبعاد من الفساد سببها الرئيس الوساطة والمحسوبية التي يمارسهما أناس كثر، دون شعور منهم بأنّ ما يقومون به خطأ فادح؛ وهنالك خلل كبير في علاقتنا بالبيئة، والتي تتعرض للإيذاء بسبب ممارسات غير سليمة نقوم بها دون إدراك لعواقبها؛ وهنالك عدم حسن إدارة للموارد الطبيعية والبشرية؛ وهنالك تقصير واضح في الدور ا?تربوي للأسرة والمدرسة والجامعة ومؤسسات المجتمع المعنية؛ وهنالك عجز واضح في الإبداع والريادة والابتكار والاختراع؛ وهنالك ندرة في الاعتماد على النفس وتحمل المسؤولية والوعي بأهمية الواجب؛ وهنالك نقص في التمويل اللازم لإدامة مرافق المؤسسات التي أصبح بعضها آيلاً للسقوط ولإدامة رؤاها وخططها ومشاريعها؛ وهنالك عدم إدراك لأهمية الإعلاء من شأن الأسس والأصول والتعليمات والأنظمة والقوانين، والتي بدونها يكون هنالك انفلات وتكون هنالك فوضى لا يحمد عقباهما.
وهنالك أبعاد أخرى كثيرة.
النقطة المهمة هنا أن معظم هذه الإشكالات تعود إلى خلل في ثقافة الفرد نابع من خلل في ثقافة المجتمع؛ ولا بد من علاج منصبّ على هذا البُعد.
والنقطة الثانية أن التحديات المُستعصية والمشاكل المُرحّلة على المستوى الداخلي تقف حائلاً دون تقدّمنا إذا لم نعالجها معالجة تُصفّرها تصفيراً كاملاً أو تضعها في أضيق الحدود.
وكلّما كثُرت أو تغاضينا عن التعامل معها، كلّما بقينا نُعاني ونتأخّر عن غيرنا.
أما التحدي الثاني فهو الخارجي المتعلق ب"غيرنا».
الآخرون من أشقّاء وأصدقاء في منطقتنا وما بعدها، كلّهم يسعون جاهدين لتطوير أنفسهم والتقدم والازدهار. ونُخمّن أن لا أحد منهم يرضى بأن يبقى مراوحاً مكانه.
وحقيقة فإن بعضهم قد حقّق نقلات نوعية لافتة في السّعي نحو التقدم والازدهار، وإن عدداً منهم أصبح قصة نجاح ومضرباً للمثل.
ومن لم يُصبح بعد أخذ يضع الخطط والبرامج ليصير كذلك.
النقطة المهمة هنا أن غيرنا ممن سَبَقنا ليس ساكناً ثابتاً في مكانه ينتظر منا اللحاق به، وأن غيرنا ممن في مستوانا أو يقبع خلفنا، ليس راضياً بمكانه، بل ينافس ويسعى للمضي قدما.
من هنا نؤكد على ما قلناه أعلاه، أن التحدي أمامنا اليوم تحدٍّ مزدوج: داخليّ من صُلب مجتمعنا وثقافتنا المعاصرة، وبِيَدِنا معالجته؛ وخارجيّ من أولئك الذين سبقونا، وأولئك الذين يسابقوننا بهدف تخطينا؛ وعلينا أن نحسن من لياقتنا لنكونَ من الفائزين.